الطريق من دار الأوبرا إلى محطة الحافلات
دمشق , خريف 2015
قالت : ألم يلهمك هذا المنظر شيئاً ؟
قلت
: ماذا
تقصدين
؟
قالت
: انظر
أمامك
الى
هذه
الحفرة
التي
أحدثتها
البارحة
احدى
قذائف
الهاون
و
إلى
هذا
الكم
الغفير
من
الحضور
الذين
جاؤوا
كمثلنا
نحن
لإراحة
آذانهم
من
سماع
أصوات
المدافع
فقط
, أي
بغض
النظر
عن
جودة
الموسيقى
التي
تنتظرهم
داخلاً
. بالمناسبة
هل
سنشارك
بالغناء
أيضاً,فلدي
رغبة
هائلة
بكسر
الحدود
اليوم.
قلت
: للأسف
إنها
ليلة
للموسيقى
الكلاسيكية
الغربية
فقط
, لكن
بإمكانك
القيام
بصفقة
طلائعية
مثلاً
صاحت
مبتسمة
: أتهزأ
بي
يا
عبد
! بسيطة
! انتظر
لحظة
أنا : إلى أين! ستفوتنا الحفلة يا مجنونة.
عادت
خطوتين
للوراء
ثم
وقفت
أمام
الحفرة
وقالت
: كذبت
ثلاث
كذبات
بيضاء
على
أمي
لأخرج
في
هذا
الوقت
المتأخر
و
تريدني
أن
أصفق
صفقة
طلائعية
؟
ماذا
ستفعلين
إذن
؟
قالت
: سأرقص
هنا
... حول
هذه
الحفرة
... سأرقص حول الموت!
كانت
في
رقصة
فرح
خفة
و
تبختر
أنيق
, وفي
تمايل
خصرها
حول
الحفرة
نشوة
للحياة
. شعرها
كأنه
وشاح
أسود
على
صفحة
من
ثلج
, فهي
لم
تفرقه
أو
تضمه
يوماً
وإنما
كانت
مهووسة
بإزاحة
خصلة
منه
خلف
إحدى
أذنيها
بينما
كانت
تخفي
الأخرى
دائماً
... و
في
تلك
اللحظة
فقط
أيقنت
أنني
أرى
الجانب
الآخر
منها
لأول
مرة
...الآن
لا
أشاهد
فرح
الطالبة
المتذمرة
من
كلية
الصيدلة
التي لم ترغب بدخولها يوماً ولا أرى فيها الحرص الشديد على أناقتها و مظهرها الخارجي و " حكي الناس " و لا تلك الفتاة المزعجة التي توقظني فجراً لأنها تواجه مشكلة تقنية تافهة على هاتفها المحمول ... كل ما رأيته في تلك اللحظة هو ببساطة الرقصة الأهم في تاريخ دار أوبرا دمشق.
شملتني بنظرة سريعة ثم قالت : الآن دعنا نذهب لنصفق كما تريد ,ثم عادت و أخذت مكانها أمامي في طابور الحضور قبل نقطة التفتيش.
همست في أذنها : أيتها
المجنونة , فضحتينا !! , متى ستكبرين ؟
ضحكت بعفوية مبالغ فيها وكأنها طفلة في الخامسة من عمرها ثم استدارت وقالت متسائلة
: ما رأيك أنت .. متى يكبر الإنسان ؟
لا أعرف فالعمر مفهوم فضفاض , ذاتي الفهم , فالقوميون مثلاَ يدعون أن ولادتهم حدثت
مع إعلان الوحدة أي في عام 1958 , وفي الصين يحسب الناس عمر الإنسان ابتداءً من
اول يوم في الحمل أي عليك إنقاص تسعة أشعر من تاريخ ميلادك , أما القبانيون فقد
يولد أحدهم هنا في هذه اللحظة عندما يرى جمال عينيكِ . فأي الأعمار ستختارين؟
لا رغبة لي بتحويل دار
الاوبرا الى غرفة مخاض .. قالت ذلك ولم نتمالك أنفسنا من الضحك حتى وصلنا لنقطة
التفتيش.
لحظات معدودة وأصبحنا داخل القاعة.
كنتي قاسية في الرد اليوم على عبارتي الساخرة "
صفقة طلائعية " ... هل كل شيء على ما يرام ؟
بدت ابتسامة ماكرة على محياها و قالت :
لو لم أرك بعيني تستلم منذ يومين شهادة تخرجك من كلية الطب لقلت أن الموت اختارك لتكون مدعي عام ضد الراقصين بالقرب منه . اعذرني فقد كان تصرف عفوي ليس أكثر
... أما ما لا أراه عفوياً الآن هو أنك قمت بحجز ثلاثة مقاعد , فهل من أحد آخر قادم ؟
لا أبداً ..نحن الاثنين فقط .
فرح ليست من الأشخاص الذين يكتفون بهكذا إجابات ولم أكن أرغب حينها في الحديث عن أي شيء فقد آثرت المجيء رغم خيبتي
الكبيرة لأبتعد بفكري عن منطق النساء ولو قليلاً . لكن مع أسئلتها المتتابعة فقدت أي أمل في الصمود , لقد كانت حقاً في مزاج جيد تستحيل معه فرصة إسكاتها الى العدم .
..... يتبع
No comments:
Post a Comment