Translate

Saturday, 23 December 2017

حائط في إدنغين

الفصل الرابع 

   حائط في إدنغين  

                                                           
أسابيع و الحقيقة الوحيدة التي أعيشها هي كلمة من حرفان و وهم أكثر كثافة من الحقيقة , وكلما انتهى الفلم ودارت بكرته في الليل أشتعل  للحظات و أتأمل عينيها الحمراوتين وقد فرغ جوهرهما من كل شيء , أتحسس المحادثة من جديد بحثاً عن أثر لكلمة حقيقية أو خيط  دقيق من المشاعر الصادقة , هل حقاً أنها كتبت " أي " في النهاية , هل حقاً أنني أذنبت بحقها حين هربت إلى الشام كي أجد الجواب بين فتلات ورود الياسمين بينما كانت هي الجواب ذاته . أما جوابي في السادس عشر من أغسطس وخلال عودتي من مدينة مانهايم هو أنني لا أدري وهذا يعني في قاموس الحب شمعة أخرى و عذاب آخر قادم !!!ء

  أغمض عيني , أعيد تشغيل الشريط في مخيلتي من جديد, وأتخيل المحادثة , كلماتها, تلك الوجوه التعبيرية الصفراء و كذباتها المختلقة لطريقة تعارفنا , ثم أنغمس أكثر وأتابع المشهد على المسرح البعيد من الذاكرة , أنا و هي مرة أخرى على الحائط. نسير , يدي في يدها (ظهرنا موجه للكون ) والطريق طويلة أمامنا , نسير و نسير , يدها أذكرهها جيداً , ناعمة و حارة . نسير لنصل لجدار عظيم و عبثاً أحاول أن أفتح كوة في الجدار , تمسك بيدي من جديد , أرى حينها عيون تتلون بالأحمر , تنظر إلي و تقول : توقف فقد  تأخرت أربع و عشرين ساعة . خطواتي لا تخلف أثراُ على الجدار , لا صوت لها ... تعود باستحياء , ثم أنهض نحونا لأراقب  ضياعنا في منعطف ما .ء

في تلك اللحظة لم يرق لي مشهد النهاية ... أشهرت قلمي و كتبت لها هذه المناجاة   
.
.
.
.


في قطار بعد منتصف الليل وعلى رصيف محطة نائية تدعى إدينغن ... تذكرتك
أنا لست أحد ..
لست أكثر من جسد ممدد في براد الغربة
لم توقظ رائحة جثته الراكب النائم في حضن صديقته الصهباء
أنا مجرد طرد ترانزيت من دفء وجه حبيبتي دمشق الغابر ...
كنت قد حدثتها عن عينيكي الجميلتين ...
حدثتها أيضا عن الكلمات التي كادت أن تقال بيننا ،
ثم امتنعنا عن إطلاقها إلى العدم ،
واحتفظنا فيها أسماكاً ملونة مضيئة داخل دورتنا الدموية ...
أو ربما أحدنا فقط كان البحر والآخر لم يرى في المياه يوماً إلا لون الغرق ...
يقولون : في ليل المسافرين المنخور بالوجع .... تنمو بذرة النسيان
و تصير غابة تحجب وجهك عن ذاكرتي ...
هذه الغابة الخمسين على ما أعتقد ...
تسع وأربعون غابة كنت قد قطعتها و صنعت من لحاء اشجارها ورقاً لكلماتي عنك ...
تلك الكلمات التي ظلت طريقها إليك في الصباح وقبل الغروب و عند منتصف الليل ..
ولكن هأنذا أتأمل أصابعي وأنا أكتب الرسالة الخمسين تتحول إلى خمسة عصافير
و تطير ...
عصفور عاد للوطن ليتلحف ياسمينة مهملة في فناء دارك
و آخر راح يتأمل تلك الشجيرة اليانعة في حديقتك ... ربما يريدها ورقاً لصفحتنا الأخيرة ...
وعصفور ينقر حبة قمح من يدك
ثم يعاود طيرانه في المدى ...
نعم فهكذا الجوى ...
لحظة فرح كونية هاربة ،
كنجم اشتعل ثم هوى ..
و عصفور قد تعملت منه الحب ،
سعيد بشجرتك ...
وسعيد أكثر بشهية التحليق
لست عصفوراً في اليد !
و عصفور هنا بجانبي ... يرسم وجهك فوق طاولة كتابتي ثم يرف بجناحيه سريعاً ليرى اهدابك على الأوراق تشاركه الحياة ... تتنفسين صبحاً ..
أقفز إليك داخل الدفتر ، لنركض معاً هاربين بين السطور ..
عجلة القطار تسرع و محطتي تقترب
خمسة عشر قرصاناً يتربصون بي
ولكن تجدني بين راكب و آخر ، ادخر نزيفي في بوتقة ما ...
هاقد وصلت
لكن
أين هي حروفي ؟
ويحي
الصفحة مملوءة بالثقوب !!
وبدماء خمسة عصافير صغيرة .
السادس عشر من اغسطس في الطريق الواصل بين إدينغن و ساحة العظيم هانس توما بعد أن عجزت بهاتفي متقلب المزاج من الحديث معها ...

.
.
.
.
. ..........................................................................................................

في العاشر من نوفمبر كانت حلا قد أخبرتني بأنها لم تجب ب نعم الا لانها لم ترد أن تظهر بمظهر ذوي الوجهين في نظر ياسين ... رأت أن محاباة طرف ثالث غريب عنها هو أفضل من أن تخبرني الحقيقة ... فقد اعتادت على أن الكذب على المحب هو أمر يجلب لها بعض التسلية ... 
وكان هاذا التصريح هو سهمها الخامس ولكنني أعترف بأنه الأكثر إيلاماً ...... 

                                                                                                   ........... يتبع

No comments:

Post a Comment